مقالات وأبحاث

بناء أسس المجتمع الديمقراطي مع انطلاقة علم المرأة(JINEOLOJÎ)...

 سما امد

يلعب افتتاح الأكاديميات دورا كبيرا في بناء المجتمعات الديمقراطية، فمع كل انطلاقة جديدة في البناء بوسعنا ملاحظة هذا الدور الهام والأساسي الذي تقوم به الأكاديميات، ففي القرن الماضي استطاعت العديد من الشعوب التي حاربت من اجل حرب التحرير بناء مجتمعاتها مجددا عن طريق بناء الأكاديميات والمعاهد التعليمية.

ونستطيع القول بان بناء الأكاديميات لم تكون الخطوة الأولى في البناء وإنما سبق بناء الأكاديميات الأفكار والنظريات الموسعة التي شكلت أرضية قوية لبناء الأكاديميات، لان الفلاسفة والعلماء والفنانون والمثقفون في المجتمع قاموا في البداية ببناء الذهنية، وبعد ذلك قاموا بنقل هذه الأفكار إلى تلاميذهم وذلك في الأكاديميات والمدارس والمعابد الدينية(الكنيسة والجامع)والجامعات. وبهذا الشكل قاموا بتدريب مجتمعاتهم.

وبوسعنا القول بأنه على مر تاريخ الحضارة فقد تطورت هذه المؤسسات والمباني تحت مراقبة ونظر المتسلطين في ذلك الوقت، لأنهم قاموا بتشكيل ذهنية المجتمع وهندسة المجتمع عن طريقهم، كذلك فعن طريق هذه المؤسسات والمباني تم إبعاد المجتمع عن قيمه وأخلاقه، وهكذا فكل تلميذ قد خرج من الأكاديميات أصبح تحت خدمة تحقيق مصالح المتسلطين. ولكن في الجانب المقابل بإمكاننا القول بان أماكن تدريب المجتمع الجوهرية على مر التاريخ قد حافظت على مبادئها بشكل دائم.

خاصة في القرون الأربعة الأخيرة قامت الأنظمة المتسلطة في الغرب بنشر الذهنية الذكورية بين المجتمع عن طريق هذه الأكاديميات، فهي ذهنية معادية تماما للمرأة والمجتمع، ونستطيع القول بان الأساس الذي شكل أرضية قوية لحدوث الإبادات الجماعية على المجتمعات قد تشكل في هذه الأكاديميات والجامعات والمدارس. وبالتالي طبقت كافة الطرق والوسائل الخاصة بالعلوم الوضعية(الفيزياء والكيمياء والبيولوجيا والرياضيات والخ) على المجتمع، وبذلك فقد تمت تنشئة ذهنية كل من علماء الاجتماع والنفس والفنانون والفلاسفة وغيرهم على أساس الذهنية الوضعية، أرادوا نشر التسلط والاضطهاد وعبودية المرأة في عقول وذاكرة الناس. ليس هذا وحسب وإنما قاموا بتفسير الأديان التي ظهرت ضد الظلم والطغيان وفق رغباتهم وتحقيق مصالحهم، وفرضوا عليهم تبني مبدأ القدرية وذلك لكي لاتنتفض الشعوب ضد المتسلطين والمستغلين ويقبلوا بخدمة المتسلطين خنوعين مذلولين.

وفي يومنا الحاضر نعتبر نحن النساء أكثر من نعاني من آثار هذه الذهنية، والهدف الأولي الذي يسعى علم المرأة إلى تحقيقه هو تصحيح مجرى العلوم ووضعها في المسار الصحيح الذي خرجت منه، كذلك إعادة جميع القيم التي أبدعتها المرأة إلى الإنسانية مرة أخرى بعدما تعرضت للاستغلال من قبل الرجل على مر تاريخ الحضارة التي رزحت تحت تسلط الرجل، بالإضافة إلى كشف الأقنعة عن وجه الذهنية المتسلطة وإظهار وجهها الحقيقي للإنسانية، كذلك وضع الأسس النظرية من اجل بناء الذهنية الجديدة.

من اجل بناء المجتمع الأخلاقي والسياسي يشير القائد إلى بناء الاكاديميات كخطوة أولى على مر تحقيق المهام الثقافية، كذلك يبين بوضوح الاختلافات الموجودة فيما بين أكاديميات المجتمع الديمقراطي وأكاديميات المدنية المتسلطة، والى جانب بناء الأكاديميات سوف تفتتح المعاهد والمدارس والجامعات والمدارس التحضيرية وذلك من اجل القيام بهذا الدور أي بناء المجتمع الأخلاقي والسياسي.

بإمكان المجتمع الذي يقوم بتنظيم نفسه نتيجة القوة النابعة من جوهره، بناء الأكاديميات والمدارس والمعاهد الخاصة به وذلك بالاعتماد على القوة الديناميكية الخاصة به. وقد تحققت هذه الإمكانيات وتوفرت الفرص المناسبة مع ثورة روجافا، حيث يقوم المجتمع عن طريق بناء الكومين والمجالس بتنظيم نفسه في كافة المجالات الحياتية. ولهذا السبب لكي يكون بوسعنا تنظيم أنفسنا وفق قيم مجتمعنا تظهر الحاجة الماسة والضرورية إلى بناء الأكاديميات.   

فمع ثورة روجافا ظهرت الحاجة الماسة إلى تنظيم المجتمع وبناء المؤسسات الخاصة به من كافة الجوانب، لان المجتمع في روجافا يتشكل من الكرد والعرب والسريان والارمن والاشوريين والتركمان أي انه مجتمع تعددي وغني من الناحية الثقافية، ولكنه على مر السنوات الطويلة التي بقي فيها تحت حكم النظام السوري البعثي الشوفيني لم يستطيع تنظيم نفسه وبناء المؤسسات الخاصة. ولكن بعد حدوث الثورة في روجافا نستطيع القول بأنه توجد العديد من المشكلات في الجوانب الاقتصادية والحماية والتدريب والثقافة والفن والدبلوماسية والسياسية والإدارية والايكولوجية والصحية والديموغرافية، وبالتالي إذا شئنا أم أبينا فان طريق الحل الأساسي للمشكلات سوف يمر من بناء الأكاديميات.

فعلى سبيل المثال تواجه المجتمعات العديد من المشكلات في المجال الاقتصادي، وذلك لان النظام الاقتصادي الحالي يدار وفق فلسفة المتسلطين، وان صح التعبير يمكننا القول بان النظام الحالي ليس نظاما اقتصاديا، وإنما على العكس فهو نظام النهب والسلب. ولامكان للمرأة في هذا النظام، وان وجدت المرأة فإنها تعمل وسط الشروط والظروف الصعبة وتتم سرقة جهودها أو يتم إنكار كافة جهودها مثلما تنكر جهود العبيد. وهذا لايشكل بأي حال من الأحوال النظام الاقتصادي. ففي البداية يتطلب من المرأة رؤية دورها الكبير في خلق واستمرار الحياة، ولعب دورها المبدع والخلاق في المجال الاقتصادي كالسابق، ويمكن تحقيق ذلك في الأكاديميات الاقتصادية التي ستفتتح بنظرة نابعة من علم المرأة، والى جانب الأكاديميات الخاصة بالمرأة تظهر الحاجة الماسة إلى بناء الأكاديميات العامة وذلك من اجل بناء مجتمع تسود فيه مبادئ الاقتصاد الجماعي والمشترك. ونستطيع القول بان الأكاديميات الاقتصادية التي ستفتتح سوف تعالج العديد من المشكلات التي تسود في المجتمع من الناحية الاقتصادية، لأنها ستبحث عن إيجاد الحلول للمشكلات الكثيرة، فعلى سبيل المثال سوف تبحث عن الطرق التي يستطيع بها المجتمع الاستفادة من المنابع الطبيعة الخاصة به، بالإضافة إلى حل مشكلة البطالة السائدة في المجتمع، والبحث عن الطرق التي يتم بها توزيع الثروات الموجودة على المجتمع، والطرق التي سوف تحدد بموجبها ملكية واستخدام الأراضي...الخ.

الحماية الذاتية

إن الحماية الذاتية(الدفاع المشروع) في الشرق الأوسط تعتبر مسالة أساسية. لان الشعب الذي يفتقر إلى الحماية الذاتية يصبح عرضة للإبادات الجماعية والهجمات المستمرة بشكل دائم. ونستطيع القول بان الإبادات الجماعية التي حصلت في كل من شنكال والموصل وغيرها من المناطق الأخرى أظهرت بعمق مدى الحاجة الماسة إلى الحماية الذاتية، وبالتالي كيف سيكون بوسع المجتمع تامين حمايته وكيف سيكون موقف المجتمع تجاه القوى المحيطة به وغيرها من النواحي الأخرى سوف تناقش في أكاديميات الحماية الذاتية(الدفاع المشروع)، خاصة تعد افتتاح أكاديميات الحماية الذاتية الخاصة بالمرأة حاجة ماسة وملحة، لان المرأة إذا تعرفت على طرق ووسائل حمايتها سيكون بمقدورها تامين حماية المجتمع أيضا. في الوقت نفسه سوف تنخفض نسبة العنف الموجودة في المجتمع إلى أدنى الدرجات.

نظام التدريب

مهما كان المجتمع مجتمعا حرا فإذا لم يملك نظام التدريب الخاص به لن يكون بوسعه الاستمرار بحياته وفق ثقافته وقيمه الخاصة به، كذلك يجب أن يكون نظام التدريب الخاص بالمجتمع نابعا من مفهومه وذهنيته وليس نابعا من مفهوم وذهنية أنظمة أخرى ومجتمعات أخرى. في هذا الجانب بإمكاننا القول بان مجتمعنا والشعوب الكردستانية تعيش وسط أنياب الإبادة الثقافية. حيث إن القوى المحتلة لكردستان تستخدم مؤسسات التدريب بمثابة وسائل الإنكار والانصهار، وبإمكاننا القول بان فتح الأكاديميات والمعاهد سوف تشكل الخطوة الأولى الديمقراطية على طريق إجراء التغييرات المطلوبة والضرورية، لان التدريب المبني على أساس ذهنية ومفهوم المرأة سوف يلعب دورا أساسيا من اجل تصحيح المجتمع.     

يجب أن تنتشر أكاديميات التدريب في كافة أصقاع الوطن أي يجب أن تنتشر في كافة القرى والشوارع والمدن، لان المجتمع قد ترك بدون تدريب جوهري يناسب طبيعته لهذا يجب نشر حملات التدريب في كافة ميادين الحياة. وبهذا الصدد يمكننا القول بان قائد الشعب الكردي عبد الله اوجلان يقترح بشكل دائم افتتاح معاهد التدريب من اجل الفتيات الشابات، لان المرأة والشبيبة تشكل القوى الديناميكية الأساسية التي ستحقق أسس علم المرأة على ارض الواقع.

صحة المجتمع

صحة المجتمع في يومنا الحاضر تكمن في مستويات خطيرة، لان الدول المحتلة والأنظمة الفاشية تلعب بشكل خاص بصحة المجتمع وسلامته، حيث تفرض على الناس المرضى الحاجة إليها وكأنه لن يكون بوسعهم العيش والاستمرار في الحياة بدون النظام. لان النظام يقوم بتقوية دعائمه بالاستناد إلى نشر الأدوية وأدوات الصحة على المجتمع المريض، وبالتالي فان أكاديميات الصحة سوف تنشر في المجتمع مفاهيم العيش بصحة وسلامة قبل أي شيء آخر. ولتحقيق ذلك تظهر الحاجة إلى البرامج الموسعة. ويتطلب تدريب المجتمع وخاصة المرأة والأمهات والفتيات الشابات.        

والى جانب الأكاديميات التي أتينا على ذكرها في الأعلى فانه تظهر الحاجة الماسة إلى افتتاح أكاديميات الفلسفة والدين والاكولوجيا والديموغرافية والأخلاق والجمال والسياسة والثقافة والفن وكافة الميادين التي تظهر الحاجة إليها، و من اجل تقوية أساس المجتمع الديمقراطي سوف يتم تدريب الشعب في هذه الأكاديميات وذلك وفق مبادئ الثقافة الخاصة بهم والقيم الجوهرية الخاصة بهم. وفي هذا الإطار فان القائد عبد الله اوجلان يضع العديد من المبادئ والمقاييس الدقيقة من اجل الأكاديميات، ويضع الأسس التي تسير بموجبها قوة التدريب في الأكاديميات، كما يتوقف بشكل كبير على المنضمين إلى التدريب بدءا من أعمارهم وحتى دورهم ونشاطاتهم في التدريب ومدة التدريب وغيرها من المقاييس الأساسية الأخرى.

إن أكاديميات علم المرأة سوف تحمل على عاتقها مسؤوليات ثقيلة وخاصة في معارف المجتمع، فمنذ تاريخ المدنية المتسلطة وحتى يومنا الحاضر والذهنية قد تعرضت للتحوير في كافة ميادين الحياة. ليس هذا وحسب وإنما تعرضت أخلاق المجتمعات للفساد والانهيار، وتعرضت مواقفهم السياسية للضعف والوهن. وقد أوصلوا بالإنسان إلى الحالة التي يعجز فيها عن بناء أي شيء في حياتهم بمحض إرادتهم الخاصة. وفي يومنا الحالي يعيش المجتمع في حالة صعبة ويعاني من الضعف والوهن. والسبب في ذلك يعود إلى ذهنية الرجل المتسلط.

فهذا النظام المتسلط استطاع عن طريق الأكاديميات نشر ذهنيته المتسلطة على عقول البشر وذاكرتهم لمئات السنين. ولهذا السبب يعد تخريب المفاهيم التي زرعها المجتمع في عقول الناس وإظهار مكانها ثقافة وقيم المجتمع الطبيعي، وإخراج المرأة والقيم الخاصة بها وسط القوالب الرجعية التي لاتمت لها بأي صلة. مهام ومسؤوليات في غاية الأهمية. وتتطلب التعمق فيها انطلاقا من عقول بعيدة عن الذهنية المتسلطة والوضعية كذلك تتطلب أبحاث موسعة ونقاشات قوية. وهنا بمقدورنا القول بان هذه الأمور تشكل نظرة وتقربات علم المرأة نفسه.

بقدر ما تعد هذه الأعمال والمهام من مهام الأكاديميين والمثقفين والمعلمين، فهي في الوقت نفسه تشكل مهام الشعب بحد ذاته. لان العلم المنفصل عن الشعب لن يستطيع أبدا خدمة الشعب والمجتمع. ففي الأكاديميات إذا حقق كل من النساء الأكاديميات والشعب سويا علم المرأة وقتها سوف تصل الأكاديميات إلى معانيها الأساسية و تقع تحت خدمة إنشاء المجتمع الديمقراطي