مؤامرة ٩ تشرين الأول ..

مؤامرة ٩ تشرين الأول كانت ضرباً من "الحربِ العالميةِ الثالثةِ" كان قد ابتدأَ مع التمشيطِ المستهدِفِ إياي...

عبد الله أوجلان

إنّ خروجي من سوريا مرتبطٌ بالتمشيطِ الذي أجرَته شبكةُ غلاديو التابعةُ للناتو. لذا، محالٌ أنْ نَصوغَ شرحاً صحيحاً لهذا التمشيط، ما لَم نأخذْ الغلاديو والانشقاقَ الحاصلَ في الجيشِ التركيِّ على محملِ الدقة. فرئيسا هيئةِ الأركانِ العامة إسماعيل حقي قره دايي وحسين كفرك أوغلو لَم يَكُونا متحكمَين بزمامِ كلِّ شيءٍ بالدرجةِ المُعتَقَدةِ أثناء رئاستِهما. فكِلاهما كانا أقربَ في فكرِهما إلى موقفِ أشرف البدليسيِّ من القضيةِ الكردية. ولَم يَكُونا يَجِدان من الصائبِ أو الممكنِ توجيهَ الحربِ إلى اجتثاثِ الكردِ من الجذور. أما وجهةُ نظرِهما إلى الحلِّ السلميِّ والسياسيِّ الذي تطلعَ كلٌّ من تورغوت أوزال وأشرف البدليسيُّ إلى البدءِ به، فكانا يَعتَبِرانه من دواعي الروحِ الوطنيةِ من جهة، وأكثر تناغماً مع مفهومِ الحربِ التقليديةِ من الجهةِ الأخرى. هذا وكان ساقب صبانجي أيضاً ممثلاً عن الفريقِ الذي يدافعُ عن هذا النهجِ داخل "جمعية الصُّنّاع ورجال الأعمال الأتراك TÜSİAD" . كما وكان موقفُ كلٍّ من محمد أيمور، رئيس دائرة الكونتر كريلا في "منظمةِ الاستخباراتِ الوطنية"، وحنفي آفجي من "دائرةِ الأمنِ" أيضاً يتماشى مع نفسِ النهج. وقد كان شرعَت هذه المجموعةُ بانتهازِ حادثةِ سوسورلك، لشنِّ حملةٍ ضد فريقِ الحربِ النافذ. في حين كان الفريقُ المضادّ – أو جناحُ الغلاديو – يمثلُه أساساً دوغان غوريش وجفيك بير. وكان هذا الفريقُ هو الذي أشرفَ على محاولةِ اغتيالِ كلٍّ من ساقب صبانجي وحسين كفرك أوغلو. علاوةً على أنّ عدداً جماً من محاولاتِ الاغتيالِ التي سبقَتها، والهادفةِ إلى القضاءِ على بعضِ الشخصياتِ داخل جهازِ الدولة، وعلى رأسِها تورغوت أوزال وأشرف البدليسيّ؛ كان قد قامَ بها أسلافُ نفسِ الفريقِ وامتداداتُه السابقة. كان دورُ استلامِ منصبِ رئاسةِ الأركانِ العامةِ في عامِ 1990 قد أتى على محي الدين فيسون أوغلو، حسب عاداتِ الجيش. وعندما نُصِّبَ دوغان غوريش رئيساً لهيئةِ الأركانِ العامةِ بشكلٍ خارجٍ على القاعدة، ازداد الشرخُ الذي بينهما اتساعاً. هذا وقد شرعَ الفريقُ الآخر في محاولةِ اغتيالِ دوغان غوريش، بإسقائِه شاياً مُسَمَّماً عن طريقِ جنديَّين مناصرَين لـPKK  داخل صفوفِ الجيش. إلا إنّ تلك المحاولةَ لَم تنجحْ تماماً. وعندما سألني المُدَّعي العامُّ العسكريُّ الخاصُّ في جزيرةِ إمرالي عمّن بَتَّ في هذا الأمر، كنتُ قلتُ له أنّ الجنديَّنن كانا مناصِرَين لـPKK، وأنهما فَرّا من الجيشِ بُعَيد تلك الحادثة، وانخرطا في صفوفِ الأنصار، ثم نالا مرتبةَ الشهادة. وبيَّنتُ اعتقادي بأنّ القرارَ الأصلَ كان قد صدرَ من داخلِ الجيش. وهكذا كان قد أُغلِقَ ملفُّ التحقيقِ في هذا الشأن.

يمتدُّ هذا النوعُ من التناقضِ داخل الجيشِ إلى مطلعِ القرنِ العشرين، بل وحتى ما قبلِه. إذ نستشفُّ تنافُرَ وتصادُمَ المنهجِ عينِه في جميعِ الأحداثِ المثيلةِ الممتدةِ على طولِ قرنٍ بأكملِه تقريباً، بدءاً من الإطاحةِ بالسلطان عبد الحميد (بل والسلطان عبد العزيز أيضاً)، وحتى محاولةِ اغتيالِ مصطفى كمال، مروراً بممارساتِ التطهيرِ العرقيِّ المُطَبَّقةِ على الكرد، والتي ابتدأَت بالمؤامرةِ المُحاكةِ ضد الشيخ سعيد في 15 شباط 1925، وبلغَت حدَّ إعدامِ سيد رضا غدراً وحيلةً في 18 تشرين الثاني من عامِ 1937؛ وبدءاً من إغلاقِ وحظرِ الحزبِ الجمهوريِّ الليبراليّ (1930)، إلى تنحيةِ إينونو من منصبِ رئاسةِ الوزراء (1937)؛ ومن الانقلابِ العسكريِّ الحاصلِ في 27 أيار 1960، وحتى انقلابِ ما وراء الحداثةِ في 28 شباط 1997، وصولاً إلى الاستعداداتِ الانقلابيةِ العديدةِ مؤخراً بعد عامِ 2000. كانت ألمانيا ثم إنكلترا فأمريكا قد ساندت هذا الصراعَ على التوالي كقوى مهيمنة، في سعيٍ للتحكمِ بمسارِه من الخارج. ومنه، فكلُّ أحداثِ المؤامراتِ والدسائسِ والاغتيالِ الجارية، لَم تَكُنْ في مضمونِها سوى انعكاساً لحروبِ الهيمنةِ المُسَلَّطةِ على شعوبِ الشرقِ الأوسط، وبالأخصِّ على شعوبِ الأناضولِ وميزوبوتاميا. ومن بينِها هناك سياقُ حربِ الغلاديو ذو المراحلِ الأربعِ مما طالَ المقاومةَ الكرديةَ التي يَرودُها PKK، والذي عرضتُه في الفصولِ السابقةِ على شكلِ مسودة. إذ إنّ حربَ الهيمنةِ للقوى الرأسماليةِ كانت تستمرُّ متقمصةً قناعَ الفاشيةِ التركيةِ البيضاء. ولَطالما تواجدَ فريقٌ مستاءٌ من ذلك داخل الجيشِ منذ عهدِ مصطفى كمال. إنهم وطنيون وغَيارى على الأناضول. ومنذ انقلابِ 27 أيار 1960 وحتى مرحلةِ الاستعداداتِ الانقلابيةِ لِما بعد عامِ الألفين، كان وضعُ هذا الفريقِ الذي بمستطاعِنا تسميتُه بالوطنيين ومُناصِري السلام، مختلفاً عن وضعِ الانقلابيين والمتآمرين الذين كانوا يحظَون بدعمِ شبكةِ غلاديو الناتو أساساً. زِدْ على ذلك أنّ الامتداداتِ المنيعةَ والبؤرَ الحصينةَ لكِلا الطرفَين كانت موجودةً بين صفوفِ المجتمعِ المدنيِّ أيضاً، والتي كانت تشهدُ علاقاتٍ وصِداماتٍ دائمةً فيما بينها. فكانت تتفوقُ إحداهما على الأخرى وفقاً للمرحلةِ السائدة. كما وكانت على الصعيدِ الطبقيِّ تمثلُ البورجوازيين القومويين والمتواطئين بالضرورة.

وقبلَ خروجي من سوريا، كان التنافسُ بين هذَين الفريقَين قد طفا على السطحِ ثانيةً. هكذا، فالتنافسُ بين الموالين والمعارضين بشأنِ الحوارِ معنا، كان قد انتهى لصالحِ جناحِ غلاديو الناتو، أي لصالحِ الفريقِ المُناصرِ للحربِ والإبادة، وبدعمٍ من إسرائيل وأمريكا. وعشيةَ الخروج، كانت الاستخباراتُ الإسرائيليةُ قد أصرَّت على الإيماءِ بنحوٍ غيرِ مباشرٍ بضرورةِ خروجي من سوريا. لَم أَكُنْ أرى ذلك مناسباً، تجنباً لتَكَبُّدِ وضعِنا في سوريا خسائر فادحة. كما ولَم أَكُنْ أصادقُ على ذلك استراتيجياً وأيديولوجياً. لكنّ الحربَ كانت ستسيرُ في مجراها الطبيعيّ، وكنا سنعيشُ ما خبّأَه لنا القدَر. لَم أَكُنْ قَدَرياً. إلا إنّ تغييرَ المسارِ والتخلي على حينِ غرّةٍ عن النهجِ الأيديولوجيِّ والسياسيِّ والعسكريِّ السائدِ قُرابةَ ثلاثةِ عقودٍ بحالِها، ما كان لِيَكُونَ عصياناً ذا معنى على القدرِ المحتوم. كان يتعينُ الالتزامُ بالصدق، وما كان لي أنْ أجهدَ أساساً لإنقاذِ نفسي. وبعد الإنذارِ الأخيرِ الذي أطلقَه أتيللا أتيش باسمِ غلاديو الناتو، لَم يَكُنْ بإمكانِنا تصعيدُ الحربِ إلى مستوى أعلى، إلا في حالِ مساندةِ سوريا وروسيا لنا بثَباتٍ لا يتزعزع. لكن، ومثلما لَم يُؤَمَّنْ هكذا دعمٌ أو مساندة، فإنّ كِلا البلدَين لَم تَكُنْ لديهما القدرةُ، بل ولا حتى النيةُ على تَحَمُّلِ وجودي شخصياً على أراضيهما. وقد كان هذا مستحيلاً فعلاً بالنسبةِ إلى سوريا. إذ كان من الواردِ أنْ تُحتَلَّ بين ليلةٍ وضحاها، من طرفِ الجيشَين التركيِّ شمالاً والإسرائيليِّ جنوباً. ولو أنهم لَم يهتاجوا أو يتوتروا، لَكان بوسعِهم خلقُ إمكانياتِ تَموقُعٍ أفضل بالنسبةِ لي. إلا إنهم لَم يستطيعوا المُجازفةَ في ذلك. أما موقفُ روسيا، فكان ذليلاً أكثر. حيث أرغمَتني على الخروجِ من موسكو، مقابل مشروعِ التيارِ الأزرقِ وقرضٍ من صندوقِ النقدِ الدوليِّ مقدارُه عشرةُ ملياراتٍ من الدولارات.

من عظيمِ الفائدةِ والأهميةِ الإمعانُ عن كثبٍ في سياقِ ما قبلَ الخروجِ وأثناءَه، قبل الخوضِ في مغامرةِ أثينا وروما.

لن نستطيعَ فهمَ المجرياتِ بصورةٍ كاملة، ما لَم نُدركْ ثنائيةَ انقلابِ 28 شباطٍ بشكلٍ صحيح. فجناحٌ من الانقلابيين كان قد اقتربَ منا مع مقترحاتِه الموضوعيةِ بشأنِ السلام. وأعتقدُ أنّ أرشيفَنا يحتوي على الوثائقِ المتعلقةِ بذلك. وعلى غرارِ ما حصلَ إزاء موقفِ تورغوت أوزال ونجم الدين أربكان، كنتُ مقتنعاً بجديتِهم وبرغبتِهم في السلام. إلا إنّ هذا الموقفَ المواليَ للحلِّ السلميِّ والسياسيّ، كان قد أفضى إلى حصولِ انقلابٍ داخل الانقلاب. والآن يتضحُ للعيانِ على أفضلِ وجهٍ أنّ كلاً من إسرائيل وأمريكا لَم تَكُونا في مصافِّ الحلِّ السلميِّ والسياسيِّ قطعياً آنذاك، أي إلى حينِ اعتقالي. بل كانتا تتطلعان بإصرارٍ شديدٍ إلى استمرارِ الحرب، ولو بمستوى منخفض، وإلى تخبُّطِ القضيةِ الكرديةِ في العقمِ واللاحل. إذ كانتا بأمسِّ الحاجةِ إلى ذلك في سبيلِ التحكمِ بزمامِ الأمورِ في الشرقِ الأوسط عموماً، ولأجلِ إسقاطِ الحكمِ في العراقِ بصورةٍ خاصة. حيث ما كان لهما أنْ تَحُدّا من فاعليةِ تركيا، ولا أنْ تُطَبِّقا مخططاتِهما، إلا عن طريقِ ذلك. وهكذا، كان قد أُطيحَ بتورغوت أوزال ونجم الدين أربكان وبولند أجاويد، لأنهم لم يأبهوا لهذه المخططات، بل سلكوا موقفاً أناضولياً وقومياً عموماً، وموالياً للسلامِ وللحلِّ السياسيٍّ على صعيدِ القضيةِ الكرديةِ خصوصاً. أما انتهاءُ أمرِ إزاحتِهم بالموتِ أو بعدمِه، فلَم يَكُنْ يتسمُ بأهميةٍ تُذكَرُ بالنسبةِ إلى مُوالي الحرب، لأنهم كانوا في قلبِ الحربِ من الأساس. لقد كانوا يطمعون في بلوغِ مآربِهم بالاستمرارِ بالحربِ حتى الأخير، وتذليلِ كلِّ عائقٍ ينتصبُ أمامهم، بما في ذلك الحسمُ العسكريُّ المطلقُ للواقعِ الكرديّ، وسلوكُ ضربٍ من ضروبِ التطهيرِ العرقيّ. وما كان للقوى المهيمنةِ أنْ تحرزَ النجاحَ المأمولَ أبداً، ما لَم تُساندْ هذا المفهوم، الذي يُعدُّ امتداداً لنهجِ الاتحادِ والترقي الكلاسيكيّ. ونظراً لأنها على درايةٍ بذلك، فقد كانت تشعرُ بالحاجةِ المطلقةِ إلى دعمِ ومؤازرةِ أمريكا وإنكلترا وإسرائيل لها. وكان هذا الدعمُ قد تحققَ أثناء خروجي من سوريا في 1998.

كان قد تمَّ الحظيُ بالدعمِ المطلقِ من قِبَلِ أمريكا وإنكلترا في مستهلِّ أعوامِ التسعينيات، ومن قِبَلِ إسرائيل أيضاً في سنةِ 1996 (اتفاقيات الشراكة الاستراتيجية في المجالِ العسكريِّ بين تركيا وإسرائيل). هكذا، كان الدورُ قد أتى على حلِّ الجانبِ الداخليِّ من الأمر، أي على القيامِ بالتغييراتِ الحكومية، وبالتسويةِ اللازمة داخل صفوفِ الجيش؛ والذي كانوا سيُطَبِّقونه خطوةً تلو الأخرى بدءاً من عامِ 1990. وتتبدى هذه الحقيقةُ علانيةً من خلالِ القولِ الذي صرَّحَ به دوغان غوريش الذي تسَلَّمَ منصبَ رئاسةِ هيئةِ الأركانِ العامة، فورَ عودتِه من أولِ زيارةٍ له إلى إنكلترا؛ حيث قال: "لقد أَشعَلوا لنا الضوءَ الأخضرَ من أجلِ القضاءِ على PKK".  وفي السياقِ الذي أَعقَبَ ذلك، لَم ينحصرْ الأمرُ في هجومِ الإبادةِ الذي استهدَفَ الكردَ وPKK، بل جميعُنا نَعلمُ جيداً مشاهدَ الأحداثِ المُرَوِّعةِ والاشتباكاتِ الفظيعةِ البالغةِ حدَّ قتلِ رئيسِ الجمهورية، وإحداثِ التغييراتِ الحكومية، وأحداثِ التصفيةِ داخل الجيش، وحركاتِ امتصاصِ ردودِ الفعلِ بين صفوفِ المجتمع، وسلسلةِ الاغتيالاتِ المستهدِفةِ للمثقفين ورجالِ الأعمال، والمجازرِ الجماهيرية، وفرضِ الاستسلامِ على الوسائلِ الإعلامية. ما ينقصُ هنا، هو إدراكُ كونِ كلِّ هذه الأحداثِ مترابطةً ببعضِها بعضاً. من هنا، لن نستطيعَ تحليلَ أيَّ حدثٍ أو صِدامٍ أو حادثِ اغتيالٍ هامٍّ بعينٍ سليمة، ما لَم نَرَ النهجَ العريضَ لغلاديو الناتو خلفَ كافةِ الأحداثِ السياسيةِ والاجتماعيةِ الهامةِ التي شهدَتها تركيا بدءاً من دخولِها إلى حلفِ الناتو، وحتى سنةِ 1998. أي أنّ صُلبَ الموضوعِ يتجسدُ في شنِّ حربٍ بطابعِ الناتو ضد مطالبِ الشعوبِ في الحريةِ والمساواةِ والديمقراطية، وأُضيفَ إلى الحلقةِ الأخيرةِ من مسلسلِ الحربِ هذا حادثةُ خروجي من سوريا سنةَ 1998.

كان ثمة طريقان أمامي أثناء الخروج: أولُهما كان طريقَ الجبل، والثاني كان طريقَ أوروبا. اختيارُ طريقِ الجبلِ كان يعني تصعيدَ الحرب، بينما ترجيحُ طريقِ أوروبا كان مفادُه البحثَ عن فرصةِ الحلِّ الدبلوماسيِّ والسياسيّ. معروفٌ أنّ الاستعداداتِ لشقِّ طريقِ الجبلِ كانت قد جرت قبل ذلك بأيام. وكانت كفةُ الاحتمالِ تَرجحُ في هذه الوِجهة. إلا إنّ مجيءَ هيئةٍ يونانيةٍ إلى عندنا في تلك الأوقاتِ بالضبط، والاتصالاتِ الهاتفيةَ الكثيفةَ التي أجرَتها ممثلتُنا في أثينا آيفر كايا حينذاك مع المسؤولين اليونانيين (الذين يُعتَبَرون مسؤولين رفيعي المستوى)؛ قد آلَ إلى تغييرِ مسارِنا صوب أثينا. كانت مشكلةُ المسؤولين السوريين تتجسدُ في أنْ أخرجَ بأقصى سرعةٍ من هناك. إلا إنهم لَم يَبدوا مرتاحين كثيراً لانطلاقي نحو أوروبا. وعدمُ إيجادِهم البديلَ في هذا المضمار، إنما هو مَأخَذٌ جادٌّ مُسَجَّلٌ عليهم. في واقعِ الأمر، لَم يَكُنْ الانطلاقُ نحو أثينا في موضعِ الحُسبان. بل كانت فرصةً مسنوحةً لَم أتجنَّبْ الاستفادةَ منها، إيماناً مني بجديةِ أصدقائِنا هناك. ولو كنتُ أعرفُ أنهم كما قابَلتُهم على أرضِ الواقع، لَما انطلقتُ إلى هناك إطلاقاً. لكنّ السؤالَ الذي يجب طرحُه هنا هو: تُرى هل شعبةُ شبكةِ الغلاديو – التي من المعلومِ أنها شديدةُ المناعةِ في اليونانِ أيضاً – هي التي لعبَت دورَها في سيناريو الخروجِ ذاك؟ لا أستطيعُ صياغةَ جوابٍ حاسمٍ على ذلك. بل يتعينُ البحثُ في هذا الموضوع. وما يندرجُ في لائحةِ الاحتمالاتِ الواردةِ بشأنِ تسليمي إلى تركيا، هو إنجازُ أمريكا الاتفاقَ على صعيدِ المبدأِ مع الإدارةِ التركيةِ في حلِّ مشاكلِها مع اليونان، أو أنها اقتَطَعَت منها عهداً بذلك. وترجحُ كفةُ احتمالِ إعرابِ أمريكا عن نواياها في هذا السياق ضمن إطارِ حلِّ مشكلةِ إيجه وقبرص بشكلٍ خاص. وعليه، ينبغي الأخذُ في الحُسبانِ دون بُدّ، أنّ تركيا قد سلكَت موقفاً تنازلياً بلا حدود في هذا المضمار.

كان المسؤولون السوريون قد التقطوا أنفاسَهم، بعدما حطّت بي الطائرةُ التي تُقِلُّني في أثينا يومَ التاسعِ من شهرِ تشرين الأول. انتصبَ كالندريديس أمامي عندما هبطتُ في مطارِ أثينا. كان كالندريديس قد مكثَ طويلاً في تركيا أيضاً بصفتِه ضابطاً مسؤولاً في الناتو. وكان ثابرَ على المهمةِ عينِها في السويد أيضاً. لذا، ربما هو تابعٌ لغلاديو اليونان. كان يتظاهرُ بالصداقةِ إلى أبعدِ مدى. كما وكان ثمة مراسلٌ غريبُ الأطوارِ وسيطٌ بيننا، سَرَّبَ إليَّ بعضَ وثائقِ الناتو. قد يَكُونُ فعلَ ذلك لزرعِ الثقة. وهو مَن أخذني في نفسِ المطارِ إلى عندِ ضابطِ المطارِ ورئيسِ المخابراتِ ستافراكاكيس، الذي كان ينتطرني في غرفةٍ هناك، والذي قال لي بغطرسةٍ وعنادٍ لا يَحتَمِلُ الجدل، أني لن أستطيعَ دخولَ اليونان، ولو مؤقتاً. لَم يَظهرْ الأصدقاءُ الذين تواعدنا معهم إلى الوسطِ هناك. وتراشَقنا الكلامَ حتى المساء. وبمحضِ صدفة، دخلَ على الخطِّ وسيطُنا الذي في موسكو نومان أوجار. وهكذا، غيَّرنا وِجهَتَنا صوب موسكو على متنِ طائرةٍ يونانيةٍ خاصة. وبمساعدةِ رئيسِ "الحزب الديمقراطيِّ الليبراليّ" جيرينوسكي، تمَكَّنّا من الهبوطِ في موسكو، ونجَحنا في الدخولِ إلى روسيا التي كانت تعاني الفوضى الاقتصاديةَ في تلك الأيام. لكنّ رئيسَ المخابراتِ الداخليةِ الروسيةِ انتصبَ أمامنا هذه المرة. وهو أيضاً كان متعجرفاً وعنيداً. لذا، ما كان بوسعِنا البقاءُ في روسيا في ظلِّ تلك الظروف. فمكثتُ حوالي ثلاثةً وثلاثين يوماً بشكلٍ قِيلَ أنه سريّ. مَن نزلتُ عندهم واعتنَوا بي، كانوا ساسةً من أصولٍ يهودية. كنتُ مقتنعاً بصدقِهم. إذ كانوا يودون فعلاً إخفائي عن الأعين. لكن، ما كان لي أنْ أصادقَ على هذا الأسلوب. كان رئيسُ الوزراءِ الإسرائيليّ شارون ووزيرةُ الخارجيةِ الأمريكيةِ أولبرايت قد وَفَدا إلى روسيا خلال تلك الفترة. أما رئيسُ الوزراءِ في روسيا، فكان بيريماكوف. وجميعُهم من أصلٍ يهوديّ. علاوةً على أنّ رئيسُ الوزراءِ التركيّ مسعود يلماز أيضاً كان في حراكٍ حينها. وفي آخرِ المطاف، أَمَّنوا خروجي من روسيا بعد الاتفاقِ على "مشروع التيار الأزرق " وقرضٍ ماليٍّ من صندوق النقد الدوليِّ قدرُه عشرة مليارات من الدولارات.

تفضيلي الفوريُّ لموسكو، كان يتأتى من إيماني بأنه "أياً يَكُن، فقد عاشوا تجربةً اشتراكيةً دامت سبعةَ عقودٍ بأكملِها. لذا، سوف يقبلون بي بكلِّ يُسر، سواء بدافعٍ من مصلحتِهم، أم من الموقفِ الأمميّ". ورغمَ انهيارِ نظامِهم، لكني لَم أتوقعْ أنْ يَكُونوا مُصابين بهذا القدرِ من الشحِّ المعنويّ. لقد كنا وجهاً لوجهٍ أمام أنقاضِ رأسماليةٍ بيروقراطيةٍ أنكى بكثير من الرأسماليةِ الليبرالية. لذا، أُصِبنا بخيبةِ الأملِ جراء موقفِ الأصدقاءِ الذين في موسكو، بقدرِ ما تسبَّبَ به الأصدقاءُ في أثينا على أقلِّ تقدير. أو بالأحرى، كان قد تجلى بوضوحٍ أنّ علاقاتِ الصداقةِ المعقودةَ لَم تَكُنْ مَحَلَّ ثقة.

بُنِيَ مسارُنا الثالثُ بمحضِ الصدفةِ ثانيةً على الاستفادةِ من علاقاتِنا في روما. فبدأنا مغامرةَ روما بمساعدةٍ من نائبَين صديقَين من صفوفِ "الحزب الشيوعي – البنية الجديدة"، والذي كان قد عُقِدَت العلاقةُ معه قبل فترةٍ وجيزة. وهكذا، بدأَت هذه المرة أيامُنا التي كانت ستَطُولَ ستةً وستينَ يوماً في مشفى بروما، كجزءٍ من السيناريو الاستعراضيِّ الذي أَعَدَّته الاستخباراتُ الإيطالية. كان موقفُ رئيسِ وزراء ذاك الوقتِ ماسيمو داليما حميماً، ولكنْ ناقصاً. حيث عجزَ عن إعطاءِ الضمانِ السياسيِّ التامّ، وتركَ أمرَنا للقضاء. وكنتُ قد اغتظتُ من ذلك، فعقدتُ العزمَ على الخروجِ من إيطاليا في أولِ فرصةٍ سانحة. وفي آخِرِ تصريحٍ أدلى به داليما، كان قد أفادَ أنه بوسعي البقاءُ في إيطاليا قدرَ ما أشاء. إلا إنني وجدتُ ذلك وكأنه موقفٌ مُتَّخَذٌ على مضض. وإنْ لَم يَخُنّي ظنّي، فقد حصلَت مبادرةٌ عربيةٌ مشتركةٌ في تلك الأثناء. حيث ذكروا لي أنهم يودّون أخذي إلى مكانٍ لَم يَبُوحوا به. لكني رفضتُ لغيابِ الرسميةِ والضمان.

كان ثاني ذهابٍ لي إلى روسيا خطأً. لكنّ السلوكَ الأرعنَ الذي اتَّبَعَه نومان أوجار كان قد لعبَ دورَه في ذلك. حيث انطلقتُ إلى هناك وكُلّي ثقةٌ بموقفِ ذاك الشخصِ الذي لا أبرحُ جاهلاً لكلِّ خفاياه. ولو أنني كنتُ على علمٍ بوجهِه الباطنيّ، لَما خرجتُ من روما، بكلِّ تأكيد. لقد خُدِعت. أتذكرُ أنني تنفستُ الصعداءَ من الأعماق، فورَ خروجِنا من الساحةِ التابعةِ للناتو على متنِ الطائرةِ الخاصةِ بداليما. لكنّ هذا الخروجَ كان أَشبَهَ بمَن يستجيرُ مِن الرمضاءِ بالنار. وفي هذه المرة، أخَذَتني المخابراتُ الروسيةُ الداخليةُ إلى المطار، بعدما أَقنَعَتني بأنّ ذهابي سيَكُونُ صوب أرمينيا. وحسبَ السيناريو المُعَدُّ مُسبَقاً حسب اعتقادي، قالوا لي في المطارِ أنّ الذهابَ إلى أرمينيا قد عُلِّق، وأنه بمقدوري الذهابُ إلى طاجكستان لمدةِ أسبوعٍ إنْ شئت، وأنه سوف يَجِدون البديلَ في غضونِ هذه المدة. وبعدَ نوعٍ من الخداع، أَقَلّوني على متنِ طائرةِ الحمولات، لتَحطَّ بي في دوشنبه  عاصمةِ طاجكستان. وانتظرنا لمدةِ أسبوعٍ في غرفةٍ لَم نغادرها قط. ثم عُدنا أدراجَنا إلى موسكو مرةً أخرى. ومرةً ثانيةً استَجَرنا بالأصدقاءِ اليونانيين مُكرَهين. وخلال يومين انعطَفنا صوب أثينا ثانيةً، بعد يومَين مليئَين بالمغامراتِ والبردِ القارسِ والمُثلِجِ داخل موسكو.

وحسبما يَجُولُ بخاطري، فقد بِتُّ أهمسُ في قرارةِ نفسي أنني انجَرَرتُ هذه المرةَ إلى ألاعيبِ الآلهةِ الأولمبيةِ بكلِّ ما للكلمةِ من معنى. وكنتُ أتوسطُ تلك الأشباحَ الإلهيةَ تماماً. وكنتُ قد استذكرتُ الإلهَ هادس Hades على وجهِ التخصيص. حيث دخلتُ من صالةِ كبارِ الشخصياتِ في المطار. وفورَ دخولي بدأَت ملاحَقةُ إلهِ السعيرِ هادس لي بلا هوادة. وتمكنتُ من قضاءِ ليلةٍ واحدةٍ فقط، في المنزلِ المبَعثَرِ جداً لِحَماةِ صديقي ناغزاكيس، التي كانت أَشبَهَ بمُشعوذاتِ العصرِ القديم. كنتُ قد سألتُها "ما عساه يفعلُ بانغالوس؟". لكن، وكأنها كانت أشارت إلى مدى انقطاعِها عن حقائقِ العصرِ عندما أجابت "سيستثمرُ ذلك في الانتخابات". لقد ذَكَّرَتني نوعاً ما بحقيقةِ الشعبِ اليونانيِّ القديمِ البالغِ في الأصالة، ولكنْ الخائرِ القوى أيضاً. وإثرَ تلك الليلة، بدأَ السيرُ نحو ما هو أقربُ إلى معسكرِ الموت. لقد كان هادس فقط يصولُ ويجولُ في الميدان. وكانت كلُّ الأقوالِ والأفعالِ مشحونةً بالزيفِ والرياء. أَوَلَم يَكُنْ ثمة عناصر وَفِيّة؟ كانوا موجودين. ولكنْ، ما كان بِيَدِ أيٍّ منهم أيةُ حيلةٍ في وجهِ وحشِ الحداثة.

وأثناء الانطلاقِ صوب أفريقيا، بات رمزُ مانديلا نافذاً هذه المرة، تماماً مثلما كان رمزُ لينين نافذاً في الانطلاقِ صوب موسكو. فحسبَ المزاعم، كنتُ سأذهبُ إلى جنوبِ أفريقيا، وسأعقدُ العلاقاتِ الدبلوماسيةَ المتينةَ من جهة، وسأحظى بجوازِ سفرٍ رسميٍّ وساري المفعولِ من الجهةِ الأخرى. كان زيفُ الدولةِ اليونانيةِ قد أحرزَ النجاحَ في هذه اللعبةِ أيضاً. في الحقيقة، كان عليّ تعاطي الأمرِ إدراكاً مني بأنّ ديمقراطيةَ الشعبِ اليونانيِّ قد خُدِعَت طيلةَ التاريخِ من قِبَلِ هذا الطرفِ المُرائي، وأُوقِعَت في مخاضاتِ مآسي فجيعة. إلا إنّ إيماني بالصداقةِ كبراءةِ طفل، هو الذي سادَ في موقفي. وأثناء الخروجِ من اليونان، والتوجُّهِ إلى كِلا المطارَين، كان سائقا السيارةِ التي تُقِلُّني قد بذلا جهوداً مضنية، كي أعودَ إلى رُشدي، فأرفضَ الذهاب. وأعرَبا عن صدقِهما وإخلاصِهما بفعلِ كلَّ ما في وِسعِهما لتبيانِ مدى فداحةِ المؤامرةِ المُحاكة. قد يكونان – هما أيضاً – موظفَين من المرتبةِ الدنيا في المخابرات. فأولُهما صَدَمَ السيارةَ بالطائرة، مُعيقاً بذلك الذهاب. وثانيهما تَذَرَّعَ بحصولِ عُطب، فأَوقفَ السيارةَ سبعَ مراتٍ ولدقائق طويلة، في مكانٍ قريبٍ من المطارِ الذي يجبُ أنْ نَمُرَّ منه سراً. لكني كنتُ أثقُ بالوعودِ المقطوعةِ لدرجةِ أني لَم أتيقظْ لذلك بتاتاً. بل، وعلى النقيض، كنتُ أودُّ الذهابَ بسرعة، حباً مني في رؤيةِ ما يُخَبِّئُه لنا القدَرُ لحظةً قبل أخرى. كانت الطائرةُ التي تُقِلُّني تُستَخدَمُ في التمشيطاتِ السريةِ لشبكةِ الغلاديو.

لكن، كانت قد سَبَقَت ذلك رحلةٌ إلى مينسك . إذ كنتُ سأدخلُ الأراضي الهولنديةَ عن طريقِ مينسك قبل الذهابِ إلى نيروبي. لذا، وعلى متنِ طائرةٍ خاصةٍ مرةً أخرى، انتظرتُ ما يزيدُ عن الساعتَين في أحضانِ البردِ القارسِ في مينسك. لكنّ الطائرةَ المنتَظَرةَ لَم تأتِ. وقامَ شرطةُ مطارِ روسيا البيضاء بتفتيشِ الطائرةِ دقائق عدة. يُحتَمَلُ أنهم كانوا سيتركونني في مطارِ مينسك، وربما كآخرِ فرصةٍ أمامي. وما تَبَقّى كان متروكاً لإنصافِ إدارةِ روسيا البيضاء. المثيرُ في الأمرِ أنّ وزيرَ الدفاعِ الوطنيِّ التركيِّ عصمت سزكين أيضاً كان في زيارةٍ له إلى مينسك في تلك الأثناء. وعندما لَم تأتِ الطائرة، زُعِمَ أنّ آخِرَ فرصةٍ لنا قد أُفلِتَت من بين أيدينا. أما عودةُ أدراجِنا القهقرى، فكانت أَشبَهَ بـ"الموت الأبيض". وعندما انسَلَّت طائرةُ الغلاديو في كبدِ سماءِ البحرِ الأبيضِ المتوسط، كنتُ قد شَبَّهتُ هذا الرحيلَ في سرودي اللاحقةِ بنقلِ الضحايا في قوافلِ القطاراتِ المُستَخدَمةِ في إبادةِ اليهود. فما تَمَثَّلَ في شخصي، كان ولوجَ أحرجِ أوقاتِ نظامِ الإبادةِ الجماعيةِ المُطَبَّقةِ على الشعب. وقد رأيتُ الوجهَ الباطنيَّ والحقيقيَّ للناتو، في غضونِ هذه الرحلات. وعندما عُدنا من مينسك، كان قد أُطلِقَ الإنذارُ بألا تَحُطَّ الطائرةُ في أيِّ مطارٍ أوروبيٍّ لمدةِ أربعٍ وعشرين ساعة. ما يُفهَمُ من ذلك أنه لَم يُترَكْ أيُّ مطارٍ يَقبَلُ بهبوطِ الطائرةِ فيه آنذاك، عدا مطارِ مينسك في روسيا البيضاء، الدولة الوحيدة العاقّة. وفي جهنمِ نيروبي، كان قد وُضِعَ أمامي ثلاثةُ سُبُل: أولُها؛ موتٌ مُزَيَّنٌ بمشهدٍ اشتباكيٍّ بحجةِ عدمِ الإذعانِ للأوامرِ لمدةٍ طويلة. ثانيها؛ امتثالي لأوامرِ وكالةِ الاستخباراتِ الأمريكية CIA دون جدل، واستسلامي لها. وثالثُها؛ تسليمي إلى وحداتِ الحربِ الخاصةِ التركية، المُعَدَّةِ منذ زمنٍ بعيد.

من بين الأشخاصِ الذين رافقوني في نيروبي، كانت ديلان متوترةً نفسياً. ولو أنها كانت صَرَّحَت عن أفكارِها بشكلٍ تام، ودفعَت منظماتِ المجتمعِ المدنيِّ إلى الحِراك؛ لَربما كان بمقدورِنا إفسادُ المؤامرةِ جزئياً، أو إفراغُها من مضمونِها كلياً. كنتُ قد رفضتُ اقتراحَها بحمايةِ نفسي بمسدس. ذلك أنّ هذا كان يعني الانتحارَ بالنسبةِ لنا، وبالنسبةِ لي. وما كان لي نيةٌ بالانتحار. وكانت تبذلُ قُصارى جهدِها وحتى آخِرِ لحظة، كي أتحصنَ بالمسدس. ولو كنتُ حاملاً للسلاح، وحاولتُ الضغطَ على الزناد؛ لَكان هذا الموقفُ سيَكُونُ الموتَ بعينِه دون بد. وأثناء فترةِ التحقيقِ اللاحق، قيلَ أنه كان قد أُطلِقَ الأمرُ بقتلي، في حالِ استخدامي السلاح. كما قالوا أنّ خروجي من السفارةِ أيضاً كان سيعني الموتَ المحتوم، وأفادوا بأني سلكتُ الموقفَ الأكثر عقلانية. لا أدري مدى صحةِ قولِهم ذاك. لكنّ موقفَ السفيرَ كوستولاس في سياقِ الأسبوعَين اللذَين قضيتُهما في نيروبي، خليقٌ بالفهمِ حقاً. تُرى، هل كان مُسَخَّراً؟ أم كان أُعِدَّ كجزءٍ من المخططِ قبل ذلك بفترةٍ طويلة؟ أنا بنفسي لَم أستطعْ تحليلَ ذلك. هذا ولَم يأتِ البتةَ إلى منزلِه – الذي يُعَدُّ مكانَ إقامتِه أيضاً – قبل تسليمي. كما وكان تشاجرَ بِحِدّةٍ نوعاً ما مع زبانيةِ نيروبي، بسببِ رغبتِهم فيما كان أَشبَهَ بإكراهي على الخروجِ من السفارة. ولكن، قد يَكُونُ موقفُه ذاك زائفاً ومُرائياً. وفي هذه المرةِ أيضاً كان بانغالوس قد استصدرَ الإذنَ للذهابِ إلى هولندا حسبما زُعِم. لكني لَم أَثِقْ بذلك كثيراً حينها، لأنّ الوحداتِ الخاصةَ اليونانيةَ كانت ترصدُ الفرصةَ المواتيةَ للمداهمةِ بغيةَ إخراجي رغماً عني، في حالِ رفضي الخروجَ من المنزل. كما وكانت الشرطةُ الكينيةُ أيضاً متأهبةً لفعلِ الشيءِ عينِه. وبطبيعةِ الحال، فالذهابُ إلى جمهوريةِ أفريقيا الجنوبيةِ كان قد أمسى حكايةَ تضليلٍ وخداعٍ منذ أَمَدٍ غابر. أما الاقتراحاتُ المطروحةُ من قبيلِ اللوذِ إلى الكنيسةِ أو هيئةِ الأممِ المتحدة، فكانت محفوفةً بالظنونِ والمخاوف. لذا، كنتُ مُصِّراً بعنادٍ على عدمِ الخروج.

كانت مذهلةً فترةُ الشهورِ الأربعةِ الممتدةِ من 9 تشرين الأول 1998 حتى 15 شباط 1999. وما كان لأيةِ قوةٍ في العالَمِ عدا أمريكا، أنْ تُرَتِّبَ لهذا التمشيطِ الممتدِّ أربعةَ أشهرٍ بحالِها في تلك المرحلة. أما دورُ قواتِ الحربِ الخاصةِ التركية حينذاك (رئيسُ تلك القواتِ كان الجنرال أنكين آلان)، فكان منحصراً في نقلي إلى إمرالي على متنِ الطائرة، وذلك تحت الإشراف. كانت فترةً شاهدةً على تنفيذِ أهمِّ العملياتِ التي عرفَها تاريخُ الناتو بالتأكيد. وقد كان هذا ساطعاً بجلاء، إلى درجةِ أنّ أيَّ شخصٍ لَم يَقُمْ بأيِّ تصرفٍ شاذٍّ في أيِّ مكانٍ حَلَلنا فيه. ومَن فَعلَ ذلك، شُلَّ تأثيرُه على الفور. في حين إنّ موقفَ اليونانيين كان كافياً أساساً لإيضاحِ كلِّ شيء. كما إنّ الإجراءاتِ الأمنيةَ المُتَّخَذةَ داخلَ وخارجَ المنزلِ الذي أقمتُ فيه بروما، كانت تسردُ الوضعَ على المَلأ إلى حدٍّ كبير. لقد كانوا اتَّخذوا تدابيراً استثنائيةً بخصوصِ الأَسْر. ولَم يَسمحوا حتى بخطوِ خطوةٍ واحدةٍ إلى الخارج. وكانت وحداتُ الأمنِ الخاصةُ تراقبُ على مدارِ الساعةِ كلَّ مكان، وحتى باب غرفتي. كانت حكومةُ داليما يساريةً ديمقراطية. وكان داليما قليلَ الخبرة، وقاصراً عن اتخاذِ قرارٍ بمفردِه. لقد جابَ أوروبا بأكملِها. وبَيَّنَت إنكلترا له ضرورةَ اتخاذِه قرارَه الذاتيّ، ولَم تتعاونْ معه كثيراً. في حين كان موقفُ بروكسل غامضاً. وفي النتيجةِ أُحِلنا إلى القضاء. هذا وكان محالاً عدمُ رؤيةِ تاثيرِ الغلاديو في اتخاذِ هذا الموقف. وبالأصل، فإيطاليا كانت واحدةً من البلدانِ التي يتمتعُ الغلاديو فيها بالثباتِ والرسوخ. كان برلسكوني قد استنفرَ كافةَ قواه. وهو بذاتِه كان رجلَ الغلاديو. ولأنني علمتُ بعدمِ قدرةِ إيطاليا على تحمُّلي، كنتُ مُرغَماً على الخروج. وبالطبع، كانت تركيا قد صُيِّرَت مقابل ذلك واحدةً من أكثرِ البلدانِ التي تَثِقُ بها أمريكا وإسرائيل، بعدَما جعلتاها تَدورُ في فلكِهما. من هنا، فالسياقُ الذي يُزعَمُ أنه عولمةٌ طائشة، ما هو في واقعِ الأمرِ سوى حكايةُ تقديمِ تركيا هِبَةً للرأسماليةِ الماليةِ العالمية.

إنّ سيناريو احتلالِ العراقِ أيضاً مرتبطٌ بِعُرى وثيقةٍ بمسألةِ تسليمي. وفي الحقيقة، فقد بدأَ الاحتلالُ مع التمشيطِ الذي استَهدَفَني. والأمرُ عينُه يَسري على احتلالِ أفغانستان أيضاً. أو بالأصح، فإحدى وأولى الخطواتِ المفتاحِ على دربِ تطبيقِ "مشروعِ الشرق الأوسط الكبير"، كان ذاك التمشيطَ الذي استهدفَني. فقولُ أجاويد: "لَم أفهمْ بأيِّ حالٍ من الأحوالِ سببَ تسليمِ أوجالان لنا"، لَم يَكُ عن عبث. فكيفما أنّ الحربَ العالميةَ الأولى اشتعلَت شرارتُها مع قتلِ وليِّ عهدِ النمسا على يدِ قومويٍّ صربيٍّ متطرف، فإنّ ضرباً من "الحربِ العالميةِ الثالثةِ" أيضاً، كان قد ابتدأَ مع التمشيطِ المستهدِفِ إياي. ولكي نستوعبَ السياقَ اللاحقَ للتمشيط، فمن الضرورةِ بمكان إدراك الأحداثِ الجاريةِ قُبَيلَ وأثناءَ التمشيطِ بأحسنِ وجه. ولكي يتحادثَ الرئيسُ الأمريكيُّ كلينتون مع الرئيسِ حافظ الأسد حول إشكاليةِ إخراجي من سوريا، التقى معه في اجتماعَين داما لأكثر من أربعِ ساعات، بحيث عُقِدَ أحدُهما في دمشق، والثاني في سويسرا. وخلال هذَين اللقاءَين انتبَهَ حافظ الأسد إلى أهميةِ منزلتي وشأني، فارتأى المماطلةَ أنسبَ له. ولَم يتقدمْ، ولو مؤقتاً، بأيِّ طلبٍ بشأنِ خروجي من سوريا. بل كان يودُّ الاستفادةَ مني حتى الأخيرِ كعنصرِ مُوازنةٍ جيدٍ إزاء تركيا. أما أنا، فأَرغَمتُ سوريا على اتخاذِ موقفٍ استراتيجيّ. إلا إنّ قوتي  أو وضعي آنذاك لَم يَكُنْ يُخَوِّلُني لإنجاحِ ذلك. ولو أني كنتُ في إيران، لَربما كنتُ قادراً على عقدِ تحالفٍ استراتيجيّ. لكني لَم أَكُنْ أستطيعُ الثقةَ بإيران أيضاً في هذا المضمار، بل كنتُ أتحاشى مواقفَها الكلاسيكية (كجناياتِ قتلِ سمكو وقاسملو ومثيلاتِها من المؤامرات، والمكائدِ والألاعيبِ الضاربةِ بجذورِها في القِدَمِ وصولاً إلى عهدِ الإطاحةِ بالمَلِكِ الميديِّ أستياغ على يدِ هرباكوس). كان كلينتون والقياداتُ الكرديةُ المتعاملةُ معه لا يَعتَبِرون تواجدي في سوريا أمراً يتناسَبُ ومآربَهم الاستراتيجية. ذلك أنّ كردستان والكردَ كانوا يخرجون من تحت سيطرتِهم تدريجياً. كما كانت إسرائيل أيضاً مغتاظةً جداً من هذا الوضع. فمجرى الأحداثِ في كردستان، وانفلاتُ زمامِ السيطرةِ على الكرد من بين أيديهم، كان وضعاً لا يُطاقُ قبولُه بالنسبةِ إليهم. حيث إنّ إحكامَ قبضتِهم على كردستان، كان يتسمُ بدورٍ مصيريٍّ على صعيدِ تطبيقِ مشاريعِهم المتعلقةِ بالعراق خصوصاً. وعليه، كان يُفرَضُ عليَّ الخروجُ من هناك دون بد، ووضعي حداً نهائياً للهويةِ الكرديةِ المستقلةِ ولنهجِ الحريةِ بما لا يقبلُ الجدل.

في حين كان حزبُنا ونهجُ الحريةِ لدينا سببَ وجودِنا. كانت أمريكا وإنكلترا مُرغَمتَين على الوفاءِ بالعهدِ الذي أقسَمتا عليه أمام تركيا منذ سنةِ 1925 (التضحية بكردستان تركيا، بشرطِ عدمِ المساسِ بكردستان العراق). وعلى خلفيةِ ذلك، كانت تركيا قد دخلَت حلفَ الناتو، وكانتا قد اتفقتا معها بشأنِ القضيةِ الكرديةِ أيضاً. بينما موقعُنا واستراتيجيتُنا كانت خطراً يهددُ هذا التوازنَ وتلك الهيمنةَ السائدَين في منطقةِ الشرقِ الأوسط التي تتميزُ بعظيمِ الأهميةِ تقليدياً وراهناً على السواء. فكان إما أنْ نلتحقَ بمدارِ تلك الهيمنة، أو أنْ يُقضى علينا. أما الجمهوريةُ التركية، فكانت ترمي إلى الاستفادةِ من المعاهداتِ التي أبرَمَتها مع قوى الهيمنةِ تلك منذ عامِ 1925 (اتفاقية 1926 بشأن الموصل وكركوك، ودخول الناتو في 1952، واتفاقيتا 1958 و1996 المُبرَمتان مع إسرائيل)، بتوظيفِها في محوِ الكردِ من صفحاتِ التاريخ. كانت الأيديولوجيا الوضعيةُ القومويةُ العلمانيةُ تزودها بإمكانيةِ ذلك. وكان الكادرُ الجمهوريُّ قد أُقنِعَ بذلك. في الواقع، كان هذا وضعاً مُخالفاً للغاية عن روحِ واتفاقِ العلاقاتِ التركيةِ – الكردية. ولكن، كان وكأنه ما مِن طيشٍ إلا وسيفعلُه النظام، انطلاقاً من حساباتِه في تشييدِ إسرائيل. وتأسيساً على ذلك كان قد أُنشِئَت الأيديولوجيةُ المُصطَنَعةُ المُسماةُ بالحقيقةِ التركياتيةِ البيضاء وكيانِها الكادريِّ والطبقيّ. علاوةً على أنّ PKK كان قد أَلحقَ الضربةَ المميتةَ بذلك الكيان. حيث إنّ القبولَ بالهويةِ الكرديةِ والاعترافَ بخصوصيتِها، كان يعني إنكارَ ذاك الكيان، أو يقتضي التراجعَ عن تلك السياساتِ المميتةِ بأقلِّ تقدير. بينما المعاهداتُ المُبرَمةُ مع إسرائيل كانت تتحلى بمعاني مصيرية بالنسبةِ إلى ذاك الكيان. وبالأساس، كانت الدولةُ القوميةُ التركيةُ قد شُيِّدَت كإسرائيل بِدئية.

عُمِلَ على إنشاءِ كيانٍ كرديٍّ أبيض مماثلٍ أيضاً، ارتباطاً بـKDP . فعلى صعيدِ وجودِهم (من أجلِ أمنِ إسرائيل ومصالحِ الهيمنةِ لقوى الغربِ على منطقةِ الشرقِ الأوسط، وفي مقدمتِها أمريكا وإنكلترا)، كانوا يُولون أهميةً مصيريةً إلى اختلاقِ قوتَين متماثلتَين بين صفوفِ الأتراكِ والكردِ على حدٍّ سواء، بحيث تنبثقان من نفسِ المركز، وتَكُونان على تنافُرٍ وتناقضٍ فيما بينهما. هكذا، فصونُ منافعِهم في المنطقةِ تأسيساً على هاتَين القوتَين التابعتَين لهما، ولكنْ المتنازعتَين فيما بينهما؛ كانت سياسةً عاقلةً إلى أبعدِ الحدود. إلا إنّ ظهورَ PKK كان يُفسِدُ عليهم هذه اللعبةَ السائدةَ تاريخياً بقدرِ ما هي ساريةٌ في الوقتِ الراهنِ أيضاً. وولادةُ فرصةِ السلامِ والحلِّ في سنتَي 1993 و1998، إنما كان يعني النهايةَ المحتومةَ لهذه اللعبة. ولذلك بالتحديد لَم يُسمَحْ بهكذا نمطٍ من الحلّ، فدُبِّرَ لاغتيالاتٍ ومكائد كبيرة. بمعنى آخر، فإنقاذُ PKK للكردِ من نيرِ السيطرةِ والتحكم، وتأمينُ مسالَمَتِهم مع المجتمعاتِ والدولِ الأخرى يتقدمُها الأتراك؛ كان يعني إلحاقَ ضربةٍ استراتيجيةٍ قاضية بألاعيبِ الهيمنةِ لتلك القوى في منطقةِ الشرقِ الأوسط، وبسيرورةِ منافعِها. هذه النقاطُ التي بمقدورِنا ترتيبُ حججِها على نحوٍ أشمل، إنما تبرهنُ كفايةً أسبابَ كونِ مؤامرةِ 1988 عظيمةَ الشأنِ واستراتيجيةَ المأرب.

كان كلينتون يَخُصُّ حملةَ الهيمنةِ تلك بأهميةٍ بليغةٍ في تلك الفترة، مُشَدِّداً دائماً على مدى أهميةِ دورِ تركيا أيضاً في ذلك. وكان مستشارُه الخاصُّ الجنرال جالتيري، قد صرَّحَ بذاتِ نفسِه أنّهم أشرَفوا على التمشيطِ الذي استهدَفَني بأمرٍ مباشرٍ من كلينتون. أما فيما يتعلقُ بموضوعِ "الحرب العالمية الثالثة"، فيَكفي لاستيعابِ حقيقةِ هذه الحرب، بأنْ ننتبهَ إلى كونِ إحصائياتِ الأحداثِ والمجرياتِ القائمةِ في العديدِ من البلدانِ الرئيسية، يتصدرُها في هذا السياقِ كلٌّ من العراق وأفغانستان ولبنان وباكستان وتركيا واليمن والصومال ومصر؛ قد تخطَّت منذ زمنٍ سحيق، وعلى أصعدةٍ مختلفة، إحصائياتِ الحربَين العالميتَين الأولى والثانيةِ. أما كونُ "الحربِ العالميةِ الثالثةِ" ستَكُونُ متقطعةً وغيرَ متواصلة، وممتدةً على مسارٍ زمنيٍّ بعيدِ المدى، وستُسَيَّرُ بتقنياتٍ مختلفةٍ ومغايرة؛ فهو أمرٌ مفهومٌ من الأساس، بسببِ الأسلحةِ النووية. وقمةُ لشبونة التي عقدَها الناتو مؤخراً، وتشديدُ أمريكا طوقَ الحصارِ حول إيران؛ إنما يزوِّدُنا بالمعلومةِ اللازمةِ بشأنِ مجرى "الحربِ العالميةِ الثالثة".

إنّ "الحربَ العالميةَ الثالثةَ" حقيقةٌ قائمة. ومِحورُها المركزيُّ هو جغرافيا الشرقِ الأوسطِ وأوساطُها الثقافية. والأحداثُ المُعاشةُ في العراقِ بصفتِه مركزَ تَرَكُّزِ "الحربِ العالميةِ الثالثة"، إنما توضحُ بشكلٍ كافٍ ووافٍ كونَ الحربِ المندلعةِ فيه ليست معنيةً ببلدٍ واحد، بل وبمصالحِ ووجودِ قوى الهيمنةِ العالميةِ أيضاً. ولا يمكنُ إنهاءُ هذه الحرب، إلا بشلِّ تأثيرِ إيران كلياً، وباستتبابِ الأمنِ والاستقرار في أفغانستان والعراق، وبإخراجِ كلٍّ من الصين وأمريكا اللاتينيةِ من كونِهما عنصرَ تهديد. وعليه، لا زلنا في منتصفِ الحربِ التي ستَدومُ فترةً قد تصلُ إلى عشرِ سنواتٍ أُخَر بأقلِّ تقدير، على الرغمِ من عدمِ صوابِ الجزمِ بذلك على صعيدِ العلوم الاجتماعية (آخِرُ المخططاتِ الاستراتيجيةِ للناتو أيضاً، ترتأي استمرارَها مدةً قدرُها عشرُ سنوات). هذا وسيتكاثفُ الحِراكُ الدبلوماسيُّ فيها أحياناً، والعنفُ أحياناً أخرى. وسيجري التدخلُ في الأجندةِ عبر أزماتٍ اقتصاديةٍ شديدةٍ ومضبوطة. سوف تتغيرُ أولوياتُ المناطقِ والساحات، لكنّ الحربَ ستستمرُّ في العديدِ منها بمنوالٍ شموليّ، سواء بهذا الشكلِ أو ذاك. من هنا، لن يَكُونَ بالوسعِ الفهمِ بأفضلِ صورةٍ لدوافعِ تسييرِ تمشيطِ 1998 الذي استهدفَني على الصعيدِ الدوليّ، ولأسبابِ كونِه أكبرَ تمشيطٍ للغلاديو يُدبرُه الناتو؛ إلا في حالِ وضعِ هذه الطبيعةِ الأساسيةِ للحربِ نُصبَ العين. وما لا شكَّ فيه، هو أنّ مَن يربحُ دوماً في الحروبِ الكبرى ليس قوى الهيمنةِ فقط. بل قد تكسبُ الشعوبُ أيضاً الكثيرَ الوفير. بل وقد تخسرُ قوى الهيمنةِ على صعيدِ النظام، وتكسبُ الشعوبُ بالمقابل، وعلى صعيدِ النظامِ أيضاً. سوف أحللُ هذا الموضوعَ كمِحورٍ رئيسيٍّ في الفصلِ اللاحق.